مقالات الرأي

إبراهيم شقلاوي يكتب..مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية خطوات نحو وقف الحرب.

وجه الحقيقة

 

في استطلاع أجرته قناة الحدث وسط الجمهور الفرنسي عن الانتخابات.. سأل المذيع إحدى الفرنسيات في الشارع العام : أي البرنامجين تدعمين اليسار أم اليمين المرأة قالت بكل ثقة أنت تخيرني بين السل و الكوليرا … بالتأكيد لا نريد الحديث عن الانتخابات الفرنسية … بقدر الحديث عن أهمية حرية الشعوب في اختيار ممثليهم الذي كشفت عنه هذه المرأة وهو بلا شك سقف عالي للحريات و احترام مطلق لرأي الناخبين .. فإن الأنظمة السياسية المحترمة تضع ألف حساب لخيارات شعوبها و رفاهيتهم كذلك لأمنهم و سلامتهم .. هل بإمكاننا كشعب سوداني أن نصل إلى مرحلة الاختيار بين السل و الكوليرا.. أعني الاختيار في حد ذاته كفعل ديمقراطي يجعل للانسان قيمة في اختيار من يمثله في السلطة و يكسب.. بذلك الاهتمام و الاحترام الذي يجعل معادلة السلطة بيده لا بيد من يستلفون لسانه و يصادرون رأيه و حريته في الإختيار .. متى تدرك أحزابنا السياسية و القيادات التي تصنع مشهدنا السياسي و الأمني.. أننا قد سئمنا حديثهم باسمنا دون فائدة و دون أن نجني شيء غير الخراب و تعطيل الحياة .

اختتم بالأمس في القاهرة مؤتمر القوى السياسية السودانية الذي جمع الكتلة الديمقراطية مع تنسيقة القوي الديمقراطية تقدم لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. بجانب مشاركة لافتة لبعض الشخصيات السودانية و قيادات الإعلام و ممثلين للمجتمع الدولي.. الأمم المتحدة.. الاتحاد الافريقي.. الاتحاد الاروبي.. دول جوار السودان مسهلين منبر جدة المملكة العربية السعودية و الولايات المتحدة الأمريكية … حيث غاب عن المؤتمر التيار الإسلامي بكل ثقله الجماهيري كذلك غاب الحزب الشيوعي بكل عافيته الذي قال في وقت سابق إن وقف الحرب يستوجب تحرك الجماهير على الأرض.. كذلك غابت حركة عبد الواحد نور و حركة الحلو.. بجانب غياب ياسر عرمان.. التوم هجو.. الجاكومي و آخرين.. يبدو أن هذا الغياب أو التغييب مقصود باستبعاد الخلافيين.. الذين لا تحتملهم الحوارات الهادئه في هذه المرحلة .. كان الحضور طاغي لعلي الريح السنهوري حزب البعث الذي راجت اخبار مؤخرا في الوسائط الإعلامية السودانية أنه عراب انقلاب الدعم السريع الذي لم تكن له خطة( ب) من فرط ثقة معديه كما قال رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني الانقلاب الذي أدخل البلاد في هذه الحرب.. واصفا له بالانقلاب المرتب الذي اذا اكتملت أركانه سوف يخرج الشعب لتأييده.. لأن صورته كالانقلابات التقليدية التي ألفها الناس كان سيتقدمه فصيل من الجيش.. و سوف تحرسه بندقية الدعم السريع .

اجتمع كل هؤلاء بدعوة كريمة من القاهرة.. لإيجاد صيغة توقف الحرب المشتعلة منذ الخامس عشر من أبريل من العام الماضي.. حيث أفرزت حتى الآن حسب تقارير اممية في جانبها الإنساني 25 مليون مهددون بالمجاعة.. 10 مليون نازح بالإضافة إلى 9 الف قتيل 12 الف مصاب.. إذا شعبنا يدفع ثمن اطماع و تهور وفشل أحزابنا السياسية السودانية .. بجانب أطماع العالم و إلاقليم في بلادنا حيث أصبح الإنسان فيها لا قيمة له و لا قيمه لتأثيره في مجريات الأحداث.. انهم لا يسمعون صوتنا .

الواضح أن مصر صاحبة الدعوة و التنظيم قد رمت بثقلها السياسي و الأمني نحو وقف الحرب في السودان.. كان ذلك واضحا من خلال حديث وزير خارجيتها الدكتور بدر عبد العاطي الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار و ضرورة الاستجابة الإنسانية من المجتمع الدولي كما أكد أهمية الوصول لحل سياسي شامل بمشاركة جميع الأطراف السودانية دون اقصاء لأحد..كما أكد على وحدة القوات المسلحة السودانية التي قال إن لها أهمية بالغة اثبتتها التطورات الجارية لدور هذه المؤسسة في حماية السودان و الحفاظ على سلامة مواطنيه في ومواجهة أي تهديدات ضد هذه السلامة أيا كان مصدرها .

جميع المتحدثون في المؤتمر من الإتحاد الأفريقي و الاروبي و جامعة الدول العربية أكدوا على أهمية الحل السياسي السوداني السوداني دون تدخل من أحد للمحافظة على السيادة السودانية.. كما أشاروا إلى أهمية الحوار بين الخصوم السياسيين بالرغم من صعوبته إلا أنه مهم و لابد منه لأجل إطفاء نار الحرب.. و أن الوقت سوف يؤدي إلى مضاعفة المعاناة للشعب السوداني في النزوح .. كذلك أكدوا على أهمية أن يتضمن الحوار حديث عن حكومة مهام مستقلة ببرنامج محدد يناط بها إنقاذ السودان في هذه المرحلة للمحافظة على الدولة السودانية من الإنهيار .. ثم استقطاب الدعم لإعادة الإعمار ثم إعداد القوانين اللازمة لقيام الانتخابات خلال وقت معلوم لا يتجاوز العامين بعد انتهاء الحرب.

كذلك أكد على الريح السنهوري الذي كان ضمن لجنة وقف إطلاق النار إنهم كقوى سياسية يرفضون أي حكم عسكري بعد الحرب ويطالبون بفترة انتقالية مدتها سنة واحدة فقط بعدها الانتخابات .

هناك خمس ملاحظات حول المؤتمر..
الأولى : نشب خلاف بين الأطراف حول من يتحدث في الجلسة الافتتاحية باسم الكتلتين و من يدير اجتماع الغرفة السياسية التي تمثل العمود الفقري لمخرجات المؤتمر .. ارتضي الجميع د. الشفيع خضر حيث اعتبر المراقبين ذلك مؤشر إيجابي ربما يدفع بالرجل الي قيادة حكومة المهام المقترحة .. خصوصا أنه مقبولا لدي أطراف المؤتمر و ربما الأطراف خارجية و خارج المؤتمر مثل الشيوعيين.. كذلك فقد راج اسم الرجل عند الإسلاميين في وقت سابق حين جاء الحديث عن قيادة المنظومه الخالفة التي ابتدعها حسن الترابي و كان يريد بها نقل العمل السياسي و نظام الحكم في السودان الي انفتاح واسع في أمر الحريات السياسية وسيادة حكم القانون و الحكم الرشيد.

الثانية: بالرغم من أن الجميع اجتمعوا في قاعة واحدة إلا أن تباين وجهات النظر و الخلاف كان واضحا حيث جلس كل فريق بعيدا عن الاخر أقصى اليمين و أقصى اليسار وبينهم كان الضيوف والشخصيات القومية .

الثالثة: تشكيل لجنان مناقشة قضايا المؤتمر من د. الشفيع خضر والسفير نورالدين ساتي الي جانب د.الواثق كمير و المحبوب عبد السلام و ثلاثة ممثلين للكتل لصياغة البيان الختامي.. كان مؤشر لعدم توافق محتمل على البيان الذي تعثر و خرج بعد ساعتين ونصف من زمنه المقرر نتاج خلافات بين الفرقاء .

الرابعة: بالرغم من أن المراقبين تطلعوا إلى وفاق بين الجميع في هذه اللحظات المفصلية إلا أنه جرت خلافات حول البيان الختامي .. حيث تمسكت الكتلة الديمقراطية و القوى الوطنية بإدانة الدعم السريع على جرائمها التي ارتكبتها في حق المواطنين و التي قالت بها المنظمة الأممية .. كما تمسكت
تقدم بإدانة انتهاكات الجيش .. حاول الوسطاء حل الخلاف .. لكن لم يوفقوا.. كانت النتيجة رفض بالإجماع من قبل أعضاء الكتلة الديمقراطية للبيان الختامي حيث رفضوا التوقيع .

الخامسة: يرى عدد من المتابعين أن اربعة ساعات لمناقشة ثلاثة قضايا جوهرية متعلقة (بوقف الحرب) .. (المسار السياسي).. (الإغاثة الإنسانية) .. لم يكن كافيا.. بالنظر إلى رفض الكتلة الديمقراطية و القوى الوطنية الدخول في حوار مباشر مع تقدم .. حيث اقترحت الكتلة تقديم تصوراتها لرؤساء اللجان مباشرة.
ملاحظات مهمة :المؤتمر كشف عن خلافات جوهرية بين الكتلة الديمقراطية و تقدم من قضية وقف الحرب التي اختلف حول تعريفها .
– يرى كثير من المراقبين أن البيان الختامي مخيب للأمال حيث أنه لم يشير بوضوح إلى الانتهاكات الواسعة التي مورست ضد المواطنين السودانيين في دارفور و الجزيرة و الخرطوم و غيرها .. و التي اثبتتها المنظمات الدولية و الانسانية .

– فشلت تقدم في تقديم نفسها للشعب السوداني من خلال الإشارة للانتهاكات التي مورست ضده و تحدثت عن وقف الحرب دون رؤية واضحة .
– مجموعة الكتلة الديمقراطية رفضوا الجلوس مع تقدم وجها لوجه في إشارة إلى أن هناك بلاغات اتهام موجهه ضد قادتها.. و حتى لا تكسب شرعية تبرءها من الادانة بعد أن فقدتها من خلال انحيازها الواضح للدعم السريع .

في الختام يمكننا القول أن الحكومة المصرية بذلت جهدا مقدرا في تجسير العلاقة بين الكتلة الديمقراطية و تقدم بقية الوصول إلى حد أدنى من التوافق لإيقاف الحرب.. فقد ظل كثير من المراقبين يؤكدون أن إقرار وقف الحرب بيد القوى السياسية المدنية قبل أن يكون بيد العسكريين في حال وحدوا رؤيتهم حول القضايا الخلافية .

كذلك يعتبر اللقاء بين الكتلة الديمقراطية و تقدم مطلوبا في حد ذاته لكسر الحاجز النفسي الذي حدث بعد اندلاع الحرب.. ربما تعقبه لقاءات قادمة تكون فيه قدر من التقارب الممكن و هذا كله من باب المقدمات التي تفضي في نهاية المطاف لوقف الحرب وتوحيد الرؤية السياسية حول إدارة الدولة .

من ناحية أخرى : جاء البيان الختامي متضمنا عدد من النقاط الإيجابية حيث أدان مجمل الانتهاكات دون تسمية المنتهك المعلوم للأطراف.. في ذلك محاولة للوقوف في منطقة وسطى تمكن من الاستمرار في الوساطة لدعم العملية السياسية .. من قبل المسهلين كما أشار البيان كذلك إلى تكوين لجنة لتطوير النقاشات بين اطراف المؤتمر للوصول إلى الوقف الفوري للحرب أيضا أكد البيان الالتزام بإعلان جدة و النظر في آليات تنفيذه.. و في هذا إشارة إلى أهمية تنفيذ الترتيبات الأمنية التي أقرها الاتفاق .

أيضا ناشد البيان الدول الداعمة للحرب بالتوقف عن الدعم دون تسميتها أو الجهة التي تدعمها .. هذه النقطة يبدو فيها مرونة مخلة.. لكنها تكشف عن القاعدة التي ينطلق منها طرفا البيان.. الذي أشار أيضا إلى أهمية المساعدة في وصول المساعدات الانسانية .

كذلك خلا البيان من أي عبارات إقصائية لأي من القوى السياسية.. في إشارة إلى إمكانية لحاق عدد من الأحزاب أو التيارات السياسية.. في مرحلة ما من تطور الحوار السياسي.. لا سيما تلك التي كانت (تقدم) تصر أن تكون خارج المشهد السياسي..مثل المؤتمر الوطني .

لعل هذا المؤتمر الذي جمع بين القوى السياسية و المدنية في السودان.. يكون بداية طريق و خطوات صادقة نحو وقف الحرب.. التي بات استمرارها مكلفا للشعب السوداني الذي يتطلع لاسترداد ارادته السياسية في اختيار من يحكمه.. مثلما تتطلع دولته في استرداد سيادتها الوطنية.
دمتم بخير وعافية.
الأحد 7يوليو2024
Shglawi55@gmail.com

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock